حوار الزميل فراس قصاص على وكالة أنباء هاور “ANHA” لمناقشة موضوع “فخ التسويات” ثم زج في المعارك من قبل حكومة دمشق في ديرالزور

استدعت حكومة دمشق شبان محافظة دير الزور الذين أجروا ما تسمى “التسويات” للخضوع لدروة عسكرية، ليتم زجهم بعدها في معارك البادية، وفي هذا السياق أكد السياسي والمعارض السوري فراس قصاص، أن حكومة دمشق تريد من هذه “التسويات” إعادة تأهيل وتطبيع استبداد أيديولوجيتها، وكذلك لتحقيق منفعة عسكرية عبر الزج بهؤلاء في المعارك بدلاً من قواتها المنهكة.

يبدو أن المخاوف التي حذر منها بعض النشطاء السوريون من أن تكون “التسويات” التي تجريها حكومة دمشق في دير الزور فخاً يجري نصبه للإيقاع بالشبان تتحقق، إذ استدعت الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق الآلاف ممن خضعوا “للتسويات” في مناطق دير الزور والميادين والبو كمال، لدورة عسكرية لتزجهم فيما بعد في المعارك.

وبدأت حكومة دمشق بدعم روسي في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بتطبيق نفس نموذج “التسويات” التي أثبتت فشلها في درعا جنوب البلاد خلال شهر أيلول، في دير الزور أيضاً.

وتستهدف ما تسمى “التسويات” التي فرضتها حكومة دمشق برعاية روسية المطلوبين من المدنيين للخدمة الإلزامية والاحتياطية، والمسلحين المحليين، ويعتبر مشروعاً روسياً بامتياز، أطلقت موسكو مساره قبل سنوات عديدة، خاصة عقب السيطرة على الغوطة الشرقية وريف مدينة حمص، وأخيراً في درعا لتليها مدينة دير الزور.

من “التسويات” إلى الموت

وفي 21 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، استدعت الأجهزة الأمنية التابعة لقوات حكومة دمشق أكثر من 1000 شخص ممن خضعوا لـ “التسويات” في مناطق دير الزور والميادين والبو كمال، إلى دورة عسكرية مدتها 15 يوماً في “معسكر الطلائع داخل اللواء 137” التابع لـ “الفرقة الرابعة” على أطراف مدينة دير الزور.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن هؤلاء الأشخاص الذين تم تجنيدهم سيتم زجهم بعد انتهاء الدورة في بادية دير الزور لمواجهة مرتزقة داعش.

وفي تصريح لوكالتنا، علّق المعارض السياسي ورئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا فراس قصاص، على ذلك قائلاً: “إن هذا الإجراء أسلوب لتجنيد الشبان ممن جرت ما تسمى التسويات معهم وإلحاقهم بجيشها (حكومة دمشق)، لكن لأهداف ليس لها علاقة بداعش، الذي تأخرت في مواجهته وتفادته كثيراً في مراحل عديدة، بالقدر الذي ترتبط بتوظيفهم للقتال معها وعنها ضد من تراهم يقفون عقبة في استعادتها لسلطتها على كامل البلاد”.

وأضاف قصاص: “لا أتصور أن النظام كان جاداً كما ينبغي في محاربة داعش، أزعم أنه كان المستفيد الرئيس من التشدد والتطرف والإجرام الذي أصاب الوضع الثوري في البلاد خصوصاً بسبب داعش والنصرة، ولعله لن يكون جاداً في محاربة داعش إلا إذا استعاد السيطرة على كافة المناطق السورية الخارجة عن سيطرته وإذا تم إعادة تعويمه وتطبيع علاقاته مع الغرب ووضعه في المجتمع الدولي، بالطبع يلزمه أن يسوق صورة مفادها أنه يحارب داعش بزخم، ولا بأس لو كان ضحايا هكذا مواجهة جنود لم يكونوا موالين له في مرحلة الثورة عليه، أقصد أهالي دير الزور”.

ومنذ أكثر من عامين، تستهدف خلايا مرتزقة داعش المتحصنة في البادية السورية قوات حكومة دمشق بين الحين والآخر وتكبدها خسائر في الأرواح والعتاد، وعلى الرغم من الغارات الجوية الروسية المكثفة والدعم الذي تقدمه لقوات حكومة دمشق على الأرض، إلا أنهما لم يستطيعا حتى الآن القضاء على بقايا داعش هناك.

ويكاد لا يمر يوم إلا وتشن فيه المقاتلات الحربية الروسية غارات جوية على مواقع يتوارى بها مرتزقة داعش في البادية السورية، في حين تستقدم قوات حكومة دمشق تعزيزات عسكرية إلى الباديتين باستمرار لقطع الطريق أمام هجمات داعش لكن دون جدوى.

خسائر جراء كمائن داعش وهجماته

وبلغت حصيلة القتلى في البادية السورية خلال الفترة الممتدة من 24 آذار/ مارس 2019 وحتى أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، 1597 قتيلاً من قوات حكومة دمشق والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم 3 من الروس على الأقل، بالإضافة إلى 153 من المجموعات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، جراء الكمائن والهجمات التي تتعرض لها من قبل داعش.

بينما بلغ عدد قتلى مرتزقة داعش 1089 خلال الفترة ذاتها، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

فرض إذعان والتفاف لإحكام السيطرة

وأثار تطبيق حكومة دمشق عملية “التسوية” في مدينة دير الزور جدلاً واسعاً في الأوساط السورية، إذ رأى محللون أن هدف حكومة دمشق من هذه “التسويات” هو إخضاع السوريين لمطالبها وحكمها الاستبدادي، بينما انتقد البعض الآخر عمليات “التسوية” بالقول “بدلاً من أن تكون القضية إيجاد حل للأزمة يفضي إلى تحقيق مطالب السوريين أصبح الحديث يدور حول إجراء مصالحات وتسويات للمسلحين من منطقة إلى منطقة أخرى داخل سوريا لاستخدامهم بما يلائم مصالحها ومصالح أطراف أستانا”.

من جهته، عدّ المعارض السياسي قصاص، “التسويات والمصالحات” التي تنفذها حكومة دمشق فرض إذعان على من كان محسوباً على (الثورة) ضدها والتفاف ومناورة من أجل إحكام سيطرتها على مناطق خارجة عن سيطرتها، ويضيف: “حكومة دمشق لا تؤمن بمبدأ الحوار، فما بالك بالمصالحة، أو ما تسميه بالمصالحة”.

ويقول فراس قصاص: “يراهن النظام على حل الأزمة السورية تبعاً لإعادة الوضع في البلاد إلى ما قبل عام ٢٠١١. إنه لا يستطيع أن يؤمن إلا بلغة القوة التي وصل عبرها إلى السلطة، وطالما إنه لم يسقط وفقاً لمفاعيلها فذلك يعني بالنسبة له أنه لن يسقط أبداً، التغيير في شكل الدولة وإعادة هيكلة علاقة السلطة بالمجتمع بأشكالها المختلفة لجهة فصلها إنما يعني على الحقيقة سقوط النظام، كل مبدأ يقوم على تداول السلطة السلمي واقتسام السلطة وإعادة توزيعها على مساحات اجتماعية أوسع هو في الحقيقة ينال بنيوياً منه،  لذلك إذا أراد النظام أن يبقى فليس عليه إلا أن يستمر وفقاً لمسارات سياسية وإيديولوجية وعملية، ووفقاً لمراكز ثقل كلها تصب عنده وكان قد خبر جدواها لعقود طويلة”.

ومضى في حديثه قائلاً: “أؤمن قياساً لكل ما سبق أن النظام لا يراهن على حل الأزمة السورية إلا من بوابة احتفاظه بالسلطة على الشاكلة التي تختزل بها الأسدية كل البلد، وليس موضوع التسويات إلا مداخل لتحقيق خداع استراتيجي يريد من خلاله الإيقاع بكل المناطق التي خرجت من تحت سيطرته وإعادتها إلى استبداده”.

“تسويات” لإعادة تطبيع الاستبداد والأيديولوجية

وبيّن قصاص غايات حكومة من تطبيق نموذج “التسويات” في دير الزور والترويج لها، بالقول: “للنظام ثمة أهداف تفصيلية من هذه التسويات مهمة تكمل غايته الأساسية من الموضوع، أهمها وأكثرها إلحاحاً هو إعادة تأهيل وتطبيع استبداد أيديولوجيته وأهدافه داخل وعي من تستهدفهم تلك التسويات في دير الزور، وإشعار من ثار عليه من ذات المحافظة بغياب أي جدوى لمناهضة الاستبداد، وربما الإيقاع بأطراف اجتماعية في حبائله من جديد، وما أرجحه في الموضوع هو أنه يرغب في تحقيق منفعة عملية /عسكرية مباشرة من خلال تزويد قواه المنهكة بخزان بشري اجتماعي جديد مصدره دير الزور”.

تحريض على قسد وتقويض لقيم العيش المشترك

ويضيف قصاص: “لم يفوّت النظام أي فرصة للتحريض على قوات سورية الديمقراطية، حاول تخريب وتقويض كل جهود غرس قيم العيش المشترك بين كافة مكونات الإدارة الذاتية التي عملت عليها بمبدئية نادرة هذه القوات ومعها القوى السياسية ذات الصلة بمشروعها، ما زال النظام يخلق التناقضات في وجه الإدارة متوسلاً البعض من عملائه المتأثرين بأيديولوجية البعث العنصرية من المكون العربي، ولا بد أنه سيجد في ملف التسويات فرصة سانحة للذهاب بعيداً لإشعال التناقض بين الذين ينخرطون في تسوية معه وبين قوات سورية الديمقراطية وبالتأكيد لن يتورع عن استخدام هؤلاء الذين سيغرر بهم في مهاجمة قوات سورية الديمقراطية وفي محاولة إضعاف تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية”.

التنبه واللجم واجب

ودعا المعارض السياسي ورئيس حزب الحداثة والديمقراطي فراس قصاص، شيوخ ووجهاء العشائر إلى التنبه لما تنصبه حكومة دمشق من فخاخ وألغام يستهدف من خلالها كافة مكونات المنطقة والحياة المشتركة، والوقوف في وجه هذه “التسويات المزعومة” من خلال فضح أهداف حكومة دمشق منها والتحذير من تداعياتها والمآلات التي تنتظر أصحابها.

وقال قصاص في ختام حديثه: “على وجهاء العشائر والفاعلين الاجتماعيين الرئيسيين في منطقة دير الزور بذل كافة الجهود من أجل منع النظام من تحقيق مآربه التي يريد تحقيقها من خلال هذه التسويات، ولا بد لهم من الوقوف صفاً واحداً خلف الإدارة الذاتية والدفاع عنها من أجل المنطقة ومكوناتها ومن أجل منع الاستبداد وأدواته من العودة وتخريب حياة الناس وقتل روحهم وخنق آمالهم”.

https://hawarnews.com/ar/haber/22tswyat22-thm-zj-fy-almaark-syasy-swry-ykshf-22fkh-altswyat22-mn-qbl-hkwmh-dmshq-fy-dyralzwr-c2a0-h59994.html

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate